لست فيلسوفا لأني لا أومن بالعقل بما يكفي لأن أومن بالأنظمة. فما يروقني هو معرفة كيف يجب علينا أن نتصرف، وبتعبير أدق، كيف يتصرف المرء عندما لا يؤمن بالرب أو بالعقل الست وجودیا، مع أن الفلاسفة بالطبع مجبرون على التصنيف. حصلت على انطباعاتي الفلسفية الأولى من الإغريق، وليس من المانيا في القرن التاسع عشر والتي هي أساس الوجودية الفرنسية الحديثة الت على
يقين أنني مفكر، أما فيما يتعلق بسائر الأشياء الأخرى، فأنا أزيد الجناح اليساري رغما عني وعنه
ألبير كامي)
بتلك البيانات المحملة بالإنكار، ينبرا ألبير كامي حقيقة من كل سماته التقليدية. فإذا لم يكن كامي افيلسوف العبث، وأحد أعمدة الوجودية الفرنسية في فترة ما بعد الحرب، ويتعبیر أعم، إذا لم يكن مفكرا يمثل الضمير الأخلاقي لجيله من وجوه شتی فمن يكون؟ والأدهى من ذلك، كيف له، بعد رفض تلك السمات التي تبدو واضحة الأنطباق عليه، أن يصنف نفسه كمؤيد للجناح الباري، خاصة وقد هاجم الشيوعية السوفيتية وحركة التحرير القومية الجزائرية، ناهيك عن تفوره من المؤسسة الفكرية الفرنسية التابعة للجناح اليساري. هذا وتظل تلك الصفات تامة الانطباق على كامي، وإن كان انطباقا محدودا. فهو فيلسوف في بعض جوانبه، وإن كان بالطبع ليس بالمعنى الاحترافي وهو وجودي على أن تحدد بوضوح ما نقصده بهذا التعبير وما قصده هو به؟ وهو مفکر دون قيد أو شرط، بل هو حقيقة وبدقة ذلك النوع من المفكرين الذي يندثر من عالمنا اليوم للأسف؛ وهو في النهاية يساري من أولئك الملتزمين غير النادمين على آرائهم المناهضة للنظم الشمولية التي ينظر إليها اليوم كجزء لا يتجزأ من أي موقف يساري جدير بهذا الوصف
بالرغم من تمرس کامي في الفلسفة، فإن أروع أعماله في رواياته، دون شك. ولكن المحك الأساسي، في رأي كامي، أنه لا توجد تباينات ثابتة جامدة بين الفلسفة والأدب الجيد. ففي كتابه أسطورة سيزيف The Myth of Sisyphus، وهو أحد عملية الفلسفين (العمل الآخر هو المتمرد The Rebel)، يعلن كامي أن «الروائيين العظماء فلاسفة عظماء (101 .MS . p )، وفي عرضه لرواية جان بول سارتر الفلسفية الغثيان Nausea يضع كامي أساس التمييز بين الروايات الفلسفية: اما الرواية إلا فلسفة تمت صياغتها في صور خيالية، وفي الرواية الجيدة تختفي الفلسفة في ثنايا الصور الخيالية، ولكن ما أن تنسكب الفلسفة متدفقة من الشخصيات والأحداث حتى تبرز ناتئة مثل السبابة الملتهبة و تفقد الحبكة مصداقيتها والرواية حياتها ،، (199 . LCE
حياتنا) تمت صياغتها في تصورات ذهنية. وفي الفلسفة الجيدة تتدثر الرواية (الصياغة العينية لتجارب حياتنا) مخفية في ثنايا التصورات الذهنية. وإلى هنا تسير الأمور على ما يرام، ولكن لو أتسكبت الفلسفة متدفقة من الشخصيات والأحداث في رواية تخلو من الحياة، فإنه في الفلسفة الخالية من الحياة تستمد شخصيات الرواية (اي الحياة) وأحداثها من التصورات الذهنية (بدلا من أن تتجسد فيها: «ولكن ما أن تطغى الفلسفة على الرواية (الصياغة العينية لتجارب حياتنا) حتى تفقد التصورات الأمنية مصداقيتها والفلسفة حياتها. ولذلك يستحسن کامی کتاب أرسطو الأخلاق Ethics ، الذي هو افي جانب من جوانبه ليس سوى اعتراف شخصي طويل مبرهن بالأدلة العقلية. فأخيرا يعود
بيانات الكتاب
الأسم : عقول عظيمة .. ألبير كامي
المؤلف : ديفيد شيرمان
المترجم : عزة مازن
عدد الصفحات : 291 صفحة
الحجم : 13 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق