يقدم چیچك كتابا شائقا، كأنه نافذة على العالم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، نطل منها على الحدثين اللذين يعدان علامة على بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ونهايتها : أي افترة هجوم 11 سبتمبر عام 2001، والأزمة المالية العالمية في عام 2008. كما أنه يكشف عن وجهين للتاريخ : وجه تراجيدي والآخر هزلي؛ فمع أحداث 11 سبتمبر ماتت الليبرالية مرتين : مرة
بوصفها مبدأ سياسيا، والأخرى بوصفها نظرية اقتصادية.
يعد الكتاب بانوراما للعالم بأحداثه المختلفة وثوراته التي غيرت مجرى التاريخ؛ إذ ينخرط في قلب الأحداث الثورية التحررية ويعي معناها الحقيقي؛ فلا ينبغي أن تقاس أي ثورة بما أتاحته من لحظات الروعة والسمو في فترة استعارتها المذهلة، وإنما تقاس بالتغييرات التي يتركها هذا الحدث الكبير على مستوى الحياة اليومية وينطبع تأثيره عليها، أي تقاس بالعهد الجديد بعد التمرد والثورة
والحاسمة للتعامل مع الخطر ومواجهته، وفي كلا الخطابين دعا إلى التعليق الجزئي للقيم الأمريكية وإرجائها (من قبيل: كفالة الحرية الفردية وضمانها، والسوق الرأسمالية) الحماية تلك القيم ذاتها. فمن أين يأتي هذا التماثل؟
لقد بدا مارکس Marx كتابه المعنون باسم برومر" الثامن عشر Eighteenth Bruniaire بتصحيح فكرة هيجل Hegel عن أن التاريخ يكرر نفسه بشكل ضروري: "فقد لاحظ هيجل في سياق ما بأن كل الأحداث العظيمة والخصائص المميزة التاريخ العالم تحدث مرتين، ولكنه نسي أن يضيف: بأنها تحدث في المرة الأولى بوصفها تراجيدية وماساة، وفي المرة الثانية بوصفها أحداثا هزلية . هذه الإضافة والتنقيح لفكرة هيجل عن التكرار التاريخي كانت شکلا بلاغا لازم مارکس بالفعل واستحوذ على فكره قبل ذلك بسنوات، وتردد كثيرا على لسانه في فترة مبكرة: فإننا نجده في مقالته المعنونة باسم " إسهام في نقد فلسفة الحق عند هيجل A Contribution to the Critique of
" لمن المفيد والنافع ( للأمم الحديثة ) أن ترى نظام الحكم القديم، هذا النظام الذي اختبر في بلادهم ماساته، يلعب دوره الكوميدي بوصفه شبا او وهما ألمانيا. فتاريخها كان تراجيديا بقدر أنه كان قوة موجودة من قبل في العالم، وكانت الحرية وهم وهوى أو نزوة شخصية - أو بإيجاز، بقدر ما يكون التاريخ موضوعا للاعتقاد، فإن علينا تصديقه والإيمان به، وبقدر ما يكون نظام الحكم القديم - بوصفه نظام عالم قائم، كان صراعا ضد العالم الذي ظهر للتو أو ظهر حديثا، فإن هناك . إذن، خطا تاريخيا يتعلق بالعالم، وليس خطا شخصيا، ولذلك، فتدهورة وسقوطه كان تراجيديا "
أما الحكم الألماني الراهن، والذي يعد - من جهة أخرى - بمثابة مفارقة تاريخية وتناقض صارخ للبديهيات المقبولة عالميا، فعبث الحكم القديم ظهر للعالم كله بحيث أتيح للعام أن يرى انه - يتخيل، فحسب، بانه مازال يعتقد في مغزى وأهمية وجوده
بيانات الكتاب
الأسم : تراجيدية في البداية هزلية فى النهاية
المؤلف : سلافوي جيجك
المترجم : غادة الإمام
عدد الصفحات : 221 صفحة
الحجم : 11 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق