في الغسق الأخير من الليل، كانت دوامات غريبة من الوحدة بدأت تنتابني، كان الأمر أشبه بكائن ما منعزل في فراغه تلفه دوامات قوية لتطرحه بقسوة في أعماقها. تملكتي الشعور الغريب فانقشعت رغبتي في السبات. أفتح عيني ببطء علی اللاشيء. لم يكن في رأسي شيء، كأن مساحة هائلة من الفراغ قد تملكتني فانقشع من رأسي كل ما كنت اعرفه منذ ميلادي، یا لها من حالة غريبة. أحاول
جاهدا تذكر أخر ما فعلته، أو قرأته قبل تعمقي في النوم، فأعجز عن التذك. أنتمسك بأهداب الذاكرة مستميتة إلا أن حالة العجز المسيطرة علي كانت قد افقدتني الذاكرة تماما. ينطلق إلى أذني صوت، يبدأ ضعيفا واهنا ثم لا يلبث أن يشتد في عتمة الليل. أسمعه متناغمة متهادية متصالحة مع ذاته، وكأنه يتراقص بنعومة على موجات أثيرية تتهادی دون رؤيتها. أيكون الأمر مجرد حلم أم هو هاتف من تلك التي تقتحم غشية الآخرين في نهايات الليل؟ لابد أنه كذلك، فأنا لم أعد أسمع شيئا على الإطلاق. كل ما هنالك ذلك الصمت الثقيل ذو الطنين الذي يكاد أن يضغط على طبلتي أذني فيمزقهما. ولكن ها هي تلك الصرخة الحادة التي انفلتت فجاة ليعود الصوت أكثر تناغمة. كان الصوت أنثوية متغنجة في انطلاقته الأبدية، وكانه قديم قدم الأزل، أو تكون صاحبته إحدى العاهرات التي اصطحبها أحد الجيران في الليل؟ أم تكون إحدى الزوجات؟ هاهو صوتها قد أصبح أكثر تحديدا واتساعة في مساحته. أسمعها تتاود، تتدلل، تعاتب صاحبها الذي لابد أنه يضاجعها الآن بكل قوته. لابد، فانطلاقاتها الشبقة صارت أكثر شطحا من ذي قبل. أسترق السمع بشبق عجيب متخيلا صاحبته في وضعها الذي لا بد أن تكون عليه الآن. لا بد أنها تمتلك نهدين نافرين يرفضان الاستقرار في الفضاء المحيط. صوت صرخاتها المنتشية يدل على أنها تستطيع معاشرة الكثير من الرجال في آن واحد. لا بد أنها شديدة الرغبة. أتخيلها فأشعر بنشوة حارقة تسري في جسدي.. كم أود أن أراها الآن، أتذكر صديقتي ذات الكفين المكتنزتين، أين هي الآن؟ كم أشتاق إليها في تلك اللحظة المستعرة. لها وجه كوجه الله في جماله. حينما تهل علي في كل هلة من هلاتها أري فيها وجه الله. أليست دليلا
بيانات الكتاب
الأسم : كائن العزلة
المؤلف : محمود الغيطاني
عدد الصفحات : 178 صفحة
الحجم : 5 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق