١- كيف بدأت الفلسفة :
لم يكد يظهر الإنسان على وجه الأرض ، حتى دأب سعی ويلح في السعی کلما ألحت عليه غريزة حب البقاء، ولم تكن الحياة حين ألقت به سخية كريمة، فلم تبسط يدها في العطاء بحيث تمنحه من قوى الفكر ما يحصل به ضرورات العيش ويرد به عادية الطبيعة
في سهولة ويسر، بل كانت مقترة مسرفة في التقتير ، اكتفت من ذلك بالحد الأدني الذي يحتمه مجرد البقاء، جاء الإنسان وكل بضاعته من التفكير شعاع خافت ضئيل؛ يعينه على جمع القوت ، وتحصيل الضروري من أسباب الحياة .
ولكن الزمان الذي يغير كل شيء ، قد أخذ بيد الإنسان فأخرجه قليلا قليلا من تلك الحياة التي كانت تقنع بدفع الخطر، وما زال به حتى شحذ مواهبه ، ووسع من نطاق إدراکه ، فمرن على القيام بأعباء الحياة ، ولم يعد يصدر في ذلك عن شعور ووعی يستنفدان كل ما يملك من قوة ومجهود ، ثم لا يبقى له من دهره شيء ، بل أصبح كثير من شئون العيش عادة آلية يديرها اللاشعور ، و بذلك استطاع أن يظفر بشيء من الفراغ الفينة بعد الفينة ، ينعم به بعد جهد العيش الجهيد، فأخذ يحلم بهذا الكون الذي يحيط به، والذي يبعث في النفس اللذة والخوف في آن واحد، ولكن ماذا عساه أن يقول عن ظواهر الكون لكي يرضي خياله الساذج الغرير سوى أساطير ينسجها له الخيال فير ويها، لتكون له عقيدة وأدبا وعلما وما شئت من فنون الإنتاج، وهكذا كانت و الميثولوجيا “ أول الأمر . ثم يمضى الزمن و يمعن في مضيه ، فيدفع معه في تياره الخارف هذا الإنسان، فإذا الخيال تضيق دائرته وتضيق، وإذا العقل يتسع و يتسع ، ثم إذا بالإنسان قد هانت عليه أعباء الحياة، وخف عنه العذاب الذي كانت تسلطه عليه الضرورات ليدأب في جمع القوت ودرء الخطر، واستقبل عهدا جدیدا رأى فيه اللذة والفراغ بجانب عناء العمل، وانتقل من
بيانات الكتاب
الأسم : قصة الفلسفة اليونانية
المؤلف : زكى نجيب محمود
عدد الصفحات : 365 صفحة
الحجم : 31 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق