والكتاب يعكس بعدين تاريخيين لا بعدا واحدا، وهو تاريخ لفترة تبدأ بنهاية الحرب العالمية الثانية ، وتنتهي بقيام ثورة ۲۳ من يولية، وهو موضوع انشغل به صاحبه بحثا وتفكيرا وكتابة في الستينيات. وعملية التاريخ لها وجه من وجوه الحوار بين الماضي والحاضر، أي الحوار بين الفترة المدروسة وبين الفترة التي يجري فيها الدرس. هو حوار يرسم حدوده حجم المادة التاريخية المكتشفة في وقت
الدراسة ، ونوعية هذه المادة ومصادرها، حسب المتاح في هذا الوقت، كما يرسم حدوده وجهة الكاتب التي تنعكس في تصنيفه للمادة المطروحة عليه، واختباراته في ترتيبها وتحديد الأهمية النسبية لكل منها.
عملية التاريخ، كما يعرفها من ينشغل بها، تجري بنوعين متکاملين من النشاط البحثي، أولهما تحليل المادة التاريخية، أي التقاطها من مصادرها ومظان وجودها وتحقيقها، وثانيهما ترکیب هذه المادة التاريخية في سباق بنائي واحد. والمادة التاريخية - من حيث هي أحداث ووقائع - تخضع لدى الباحث، أو المفروض أن تخضع، لمنهج موضوعي صارم في التحقيق والثبوت، لينكشف منها الثابت على وجه اليقين أو الظن الراجح، ثم هو يعيد تركيبها في سياق موضوعي من تداعيها الزمني، ووفقا لما يتراءى لبصيرته البحثية من روابط العلل والمعلولات.
وفي كلتا المرحلتين، التحليل والتركيب، يوجد عنصر ذاتي، وإن اختلفت درجته في المرحلتين . أقول إنه ذاتي، لا بمعنى أنه شخصي، ولا أنه من قبيل الهوى أو الاسترواح، ولكنه ذاتي بمعنى أنه لا ينتمي إلى المادة البحثية ، إنما يرد من قبل الباحث. أي ينتمي إلى عصر الباحث، وإلى مجتمعه وهمومه وشواغله، أو إلى هموم الباحث عن مجتمعه و مفهومه عن عصره وشواغله. وقديما قيل: إن السؤال نصف الجواب، لأن السؤال به ينطرح الموضوع ويتميز وضع المسألة، وتتحدد زاوية الرؤية وإطارها، ثم يرد الجواب الذي يتعين به المنظور او المرئي في إطار معين ومن زاوية معينة.
ثمة علاقة جدال بين الباحث ومادته دائما. وهي لا تنتهي إلا مع إنهائه بحثه . فالباحث أولا يختار موضوعه، وهذا يعكس في أغلب الأحيان اهتماما معاصرا بهذا الموضوع، لخصيصة فيه تترجح لدى الباحث أهميتها. ثم إن الاختبار في ذاته يفيد أن للباحث نهما ما لهذا الموضوع. ولابد من وجود درجة ما من الفهم المسبق، فهي تمثل المعبر بين الباحث وموضوعه، ويغيرها لا يستطيع العبور إليه . هذا الفهم المبدئي يمثل افتراضا أو مجموعة من الافتراضات، بها يتلمس الباحث السبيل إلى مغاليق بحثه . أو هي تساؤلات تهديه في سعيه نحو مادته. ولكن أي تساؤل إنما يقوم على درجة ما من درجات الفهم السابق، ثم تتوالی عملیات اكتشاف المادة التاريخية.
بيانات الكتاب
الأسم : الحركة السياسية فى مصر
المؤلف :طارق البشرى
عدد الصفحات : 681 صفحة
الحجم : 19 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق