القد غدا من نافلة القول اليوم التحدث عن صحة المرويات التوراتية من الناحية التاريخية ، أو المجادلة في إمكانية اعتمادها مرجعا على هذه الدرجة من المصداقية أم تلك. ذلك أن المعلومات التاريخية والأركيولوجية التي توفرت لدى الباحثين خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، قد أظهرت بجلاء الطابع غير التاريخي لهذه المرويات ، وعدم اتساقها مع تاریخ فلسطين وبقية مناطق الشرق
الأدنى القديم خلال معظم الفترة التي تغطيها الأسفار التوراتية ولقد بدأت ملامح هذا المأزق التاريخي لكتاب التوراة تتوضح منذ العقد الأخير للقرن التاسع عشر، عندما حاول بعض الباحثين المرموقين من أمثال E
. Meyer و Gunkel ، ومنذ ذلك الوقت المبكر ، بأن الأسفار التوراتية ليست تاريخة موثقة يمكن الركون إليه ، وأن مصدرها الرئيسي هو الحكاية الشعبية والملاحم والقصص البطولي ، مما كان متداولا شفاهة في فلسطين والمناطق المجاورة زمن تحرير أسفار الكتاب ، ورغم أن هذا الاتجاه التحرري المبكر قد جرى تعطيله من قبل مدرسة وعلم الآثار التوراتي، التي أخذت أفنکارها بالانتظام فيما بين عامي ۱۹۲۰ و ۱۹۳۰ بتأثير العلامة وليم فوكسويل أولبرايت في أمريكا ، ومارست سلطة قوية على الدراسات النورانية حتى ستينيات القرن العشرين ، إلا أن ما أفاضته التنقيبات الأركيولوجية الجديدة في فلسطين خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص ، لم يترك من الباحثين الجادين من يناقش في صحة الخبر التوراتي ، إلا بقية متعنتة من تلامذة أولبرايت تجمعها مجلة علم الآثار النورانية الأمريكية التي يرئس تحريها الصهيوني المعروف هيرشل شانكس .
من هنا ، فقد كان من المستغرب أن يأتي الهجوم المضاد على الاتجاه الجديد المتحرر من اللاهوت التوراتي من قبل مؤرخ عربې هو الدكتور كمال الصليبي ، لا من أية جهة علمية رصينة في الغرب . لقد أدرك الدكتور الصليبي أن الدفاع عن تاريخية التوراة وفق المعطيات العلمية الراهنة هو مسألة خاسرة ، فقام بالتفاقة بارعة على المشكلة برمتها ونقل مسرح الحدث التوراتي في فلسطين إلى منطقة غرب شبه الجزيرة العربية . وبذلك تمت حماية المرويات التوراتية من أية مقارنة جدية مع وقائع علم الآثار و علم التاريخ ، لأن المنطقة الجديدة للتوراة مجهولة تماما من الناحية التاريخية والأركيولوجية ، ولم يضرب فيها المنقبون حتى الآن معولا واحدة . وهو إذ يكرر غیر فصول كتابه والتوراة جاءت من جزيرة العرب، بأن المرويات التوراتية قد وقعت بحذافيرها وكما سجلها أحبار اليهود ، فإنه ينطلق من موقع آمن من هجوم علم الآثار وعلم التاريخ ، كما عمد الدكتور الصليبي إلى حماية نظريته بسور دفاعی آخر عندما تجاهل كلية مناهج البحث التاريخي ولجأ إلى المنهج اللغوي المقارن ، مظهرا براعة فائقة في قراءة النصوص العبرية التوراتية وتأويلها ، وبراعة لاتقل عنها في دراسة وتحليل أسماء المواقع في منطقة غرب شبه الجزيرة العربية ومطابقتها على أسماء المواقع التوراتية .
بيانات الكتاب
الأسم : الحدث التوراتى والشرق الادني القديم
المؤلف : فراس السواح
عدد الصفحات : 348 صفحة
الحجم : 13 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق