الحمد لله الذي بيده تتم الصالحات وأصلي وأسلم على أزکی خلق وأطهرهم وأتقاهم وأنقاهم، وأتوسل إليه سبحانه بنعمه التي من بها، وتوجيهه الذي وجهني إلى دراسة آل حم! وعونه الذي أمدني به، أن يتم هذه النعمة، وأن يجعلها من الصالحات التي لا تتم إلا بيده، وأن يكرمنا بالقبول وبالعفو عما كان يكون في كلامنا من غفلات، وقد كنت من أول حياتي وأنا | في مواجهة آياته البينات أستعيذه
سبحانه أن أقول في كلامه كلمة لا يرضاها، وقد كان الخوف من الزلة في كلام الله يوشك أن يبعدني عن هذا المقام لولا | أنني رأيت أن الله سبحانه وتعالى ندبنا إلى التدبر في آياته وأنه سبحانه يغفر للعاملين في كتابه وتفسيره، وبيان حلاله وحرامه إذا اجتهدوا، وصبروا | وصدقوا وأخلصوا وكل ذلك لا يكون إلا منه، وبحوله، وطوله، وتوفيقه، | وإنعامه، فعزم أمرى على أخذ نفسي بالاجتهاد والصبر والصدق والانقطاع والتجرد، ومددت يدي إليه ليعينني على تحقيق ذلك، ثم مضبت برغبة شديدة أن أقدم شيئا للأجيال القادمة وحسبي أن أكشف في كل ما كتبت سرا | واحدا لكلمة واحدة من كلماته التي لا تناهی أسرارها.
وقد رأيت في هذا الزمن الغريب الذي أنكره كثيرا ممن ليسوا من أهل التفسير ولا الفقه ولا اللغة وليس لهم صلة بأى علم من علومنا يقحمون | أنفسهم على الكتاب ويدخلون فيه ويستخرجون ما يتصادم مع حقائق الشريعة | وما عرف من الدين بالضرورة وما يتصادم مع صریح السنة وما يتصادم مع صريح الكتاب، فكرهت الإحجام، وكرهت أن يتقدم أهل الباطل وأن يتأخر أهل الحق وهم حملة اللواء، وقد رأيت أن هذا الاتجاه الفاسد المفسد يعلو صوته في هذا الزمن الذي قلت إنني أنكره وأنكر القيادات التي صنعته، |
ومما أكرمني الله به أنني مع انهماكي الشديد في البحث والتأليف والتدريس الم أغمض طرفي لحظة واحدة عما يجري في أرضنا، وطول المراقبة وامتداد الزمن يكشف أشياء تظهر أوائلها ظهورا بيا بظهور أواخرها، فإذا غفلت عن أواخرها تغشت عليك أوائلها، وإذا فاتك أوائلها اختلف عليك فهم أواخرها، ولابد لك أن تبذل الكثير لتدرك القليل لأن التلبيس والتدليس مذهب مدروس ليس على مستوى الجهات الثقافية والعلمية فحسب وإنما على المستوى السياسي والتنظيمي
قلت إن أحوالا كثيرة يكشف لك أواخرها سر أوائلها، من ذلك مثلا أنه منذ أكثر من ثلاثين سنة ظهرت جماعة من مشرقي عالمنا العربي ومغربيه تدعو إلى تجنيب وتغييب علومنا في دراسة الشعر ونقده واصطناع مناهج ومذاهب الآخرين، وعنيت بتطبيق هذه المناهج على الشعر الجاهلي خصوصا، وأن أدواتنا التي ندرس بها الشعر الجاهلي كما درسه سلفنا من يوم أن كان إلى يومنا هذا ظهر فجأة أنها فاسدة وأنها خدعتنا عن حقيقة هذا الشعر وأحد هذه المناهج هي الفانوس السحري الذي يكشف غيبه ويزيل أستاره، ويجلی حقائقه، ودارت المناهج على هذا الشعر ودارت الرحا في كل جامعة عليه من المشرق إلى المغرب، وكنت أقرأ هذه الدراسات وألاحظ أن الشعر الجاهلي قد أغلق بابه في وجهها لأننا كنا إذا قرأناه بمعزل عنها فهمناه ، وإذا قرأناه ملتبسا
بيانات الكتاب
الأسم : دراسة في أسرار البيان .. الجاثية والأحقاف
المؤلف : محمد أبو موسى
عدد الصفحات : 640 صفحة
الحجم : 15 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق