Home Ads

جمهورية أفلاطون لـــ فؤاد زكريا


"عاش أفلاطون في عصر تدهورت فيه دولة المدينة City State وكان المجد الذي اكتسبته اليونان بعد انتصارها على بلاد الفرس قد ذوی قبل أن يولد بوقت طويل. ولقد كان شعوره بإخفاق الروح اليونانية أقوى من شعور جميع معاصريه .. و كانت حياته، مثل حياتنا، تقع في نهاية عصر من التوسع، فقد كان في الخامسة والعشرين عندما انتهت الحرب الكبرى بين أثينا واسبرطة بهزيمة مواطنيه وإذلالهم، وتداعت أمام عينيه الإمبراطورية الأثينية، وأدرك أن المهمة الحقيقية ليست إعادة بناء أثينا، وإنما إنقاذ اليونان.
ولكي يتحقق هدا الغرض، كان لابد من تحليل متعمق لدولة المدينة ولطبيعة الإنسان ..
"ولقد ظل الفيلسوف دهورا طويلة بعد مفكرا "أكاديميا"، وحالما أو متأملا بعيدا عن الخلافات التافهة التي يصطرع بها عالم الحياة اليومية، وكان من المحتم أن يصور أفلاطون على أنه فیلسوف من هذا النوع. أما اليوم، عندما وصلت حضارتنا إلى أزمة مشابهة لتلك التي عاش فيها أفلاطون، فإن في وسعنا أن نراه كما كان على حقيقته - أعنی مثالا أخفق في تطبيق أفكاره عملیه ومصلحا ثوريا لم يستطع أن يهتدي إلى أساس سیاسی لإصلاحاته".
بهذه الكلمات أكد المفكر والسياسي العمالي الإنجليزي المشهور، ريتشارد گروسمان)، أهمية دراسة أفلاطون بالنسبة إلى عالمنا الحاضر، وأوضح أن البحث المقارن بين العصر الذي عاش فيه أفلاطون، وبين عصرنا هذا وكلاهما كان عصر انهيار لقيم قديمة وبحث عن قيم جديدة - هو أفضل وسيلة تتيح لنا استيعاب آراء هذا المفكر الذي يفصلنا عنه ثلاثة وعشرون قرنا من الزمان
الا انت وأنا من المؤمنين بأنه لا مفر لنا. عد دراسة مفكر مثل أفلاطوں، مس أن بند کر، ونحن نبحثه، أننا نعيش في القرن العشرين. وتضع نصب أعيا مختلف مواقف الإنسان المعاصر، ونسترشد بها في محاولة نصيرنا لمواقف الإنسان اليوناني في ذلك العصر. ومع ذلك فإني أود أن أتساءل: هل يسبغی انباع هدا المنهج لأن عصرنا - كما قال كروسمان - عصر مخيب للآمال. وعصر قيم مهارة كما كان عصر أفلاطون ؟ وهل یکون الأساس الوحيد للشعور بالتآلف والتقارب والتفاهم بيننا وبين هذا المفكر اليوناني القديم، هو أننا نشترك معه في كونيا أبناء أزمة العصر أو عصر الأزمة الذي نعيش فيه؟


في اعتقادي أن من الأمور المشكوك فيها إلى حد بعيد أن يكون هناك مفكر لم يعش في عصر أزمة، أو على الأقل لم يشعر بأن عصره متأزم إلى حد يفوق سائر العصور السابقة عليه. ولو امعنت الفكر في كتابات أي مفكر تقرأ له، لوجدته يؤكد - حالما يتأمل أحوال عصره - أنه يعيش في عصر أزمة أو في مرحلة انتقال أساسية، ومن الصعب أن ننكر عليه هذا الشعور. ألم بکن أرسطو بدوره يعيش في عصر أزمة - أعني تلك التي سبقت مباشرة توسع الإسكندر الأكبر وتكوين إمبراطوريته الشاسعة؟ وماذا تقول عن أفلوطين. ونهاية العالم القديم؟ أو عن دیکارت، وبداية العصر الحديث؟ وماذا نسمي عصر كانت" بما فيه من انتقال حاسم إلى عهد حضاري جديد؟ وكيف نصف عصر بعث الأمة الألمانية أيام فشته وهيجل؟ أما في هذا القرن، فإن لنا أن نتساءل: ألم تكن السنوات الأولى أزمة أعني أزمة فكرية انهارت فيها نظم الفيزياء السائدة حتى ذلك الحين، ولولدت فيها عن التحليل النفسي نظرة جديدة إلى الإنسان. وبدأت الاتجاهات الجديدة في الفن والأدب تشق لنفسها طريقا رالذا؟ ألم تكن الحرب العالمية الأولى أزمة؟ ألم يمر العالم بأزمة فكرية في العشرينات، وبأزمة اقتصادية (وعقلية في الثلاثينات؟ وماذا كانت الحرب العالمية الثانية؟ وماذا نسمي فترة ما بعد الحرب بقنابلها الذرية وما يعانيه الإنسان فيها من توتر لا ينقطع؟
أليس لكل مفکر عاش في إحدى هذه الفتران كل الحق في أن بعد نفسه، أو بعده من يكتبون عنه، ابنا لأزمة العصر؟ إني أكاد أحرم بأن مفكر العصور الوسطى - وهي أبطأ العصور تحولا وأقربها إلى طابع الركود والاستقرار الرئيب - لو كان قد وصف العالم المعاصر له لما فانه أن يتحدث عن "أزمة العصر" وع التحول الحاسم الذي يمر على العالم في أيامه!



بيانات الكتاب 


الأسم :جمهورية أفلاطون
المؤلف : فؤاد زكريا
عدد الصفحات : 534 صفحة
الحجم : 14 ميجابايت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

FlatBook

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit. Vestibulum rhoncus vehicula tortor, vel cursus elit. Donec nec nisl felis. Pellentesque ultrices sem sit amet eros interdum, id elementum nisi ermentum.Vestibulum rhoncus vehicula tortor, vel cursus elit. Donec nec nisl felis. Pellentesque ultrices sem sit amet eros interdum, id elementum nisi fermentum.




Comments

Contact Us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *