للبشر في مواجهة مواقف الحياة أساليب شنی ومواقف عدة ، فنحن نری البعض يواجهها بشجاعة ، وغيرهم يهرب منها بلباقة . وقد يواجهها البعض بشيء من الجد ، يكثر أو يقل تبعا لأهمية المشكلة ، أو الموقف الذي يواجهه ، وقد تكون المواجهة ببعض الهزل ، أو بقليل من السخر، أو بابتسامة مرحة تحمل الرضا والتفاؤل ، تخفف من وطأة الموقف أو تمحو أثره تماما .
وفد يسقط الإنسان في هوة اليأس والقنوط إزاء مواقف الحياة ومشاكلها الصعبة ، ولكن تلك صفة المتبرم بالحياة الراغب عنها .
والوقوف أمام المشاكل بالصرامة والعنف من عادة الفظ الخشن ، الذي لا يأبه بالناس ، ولا يكترث بدوام صحبتهم .
أما الانسحاب من الموقف أو المشكلة في ذل وانکسار ، فتلك سمة الخائر الرعديد الذي لا يجرؤ على المواجهة ، ويفرق من المجابهة .
أما أولئك الذين يلجؤون إلى الضرب والقتل ، معتمدين على قواهم العضلية والبدنية ، فذلك شأن من لم يتل حظا من التعليم ، أو قسطا من العقل والتدبير ، فيندفع جسمه سابقا ومضات فكره .
فإذا ما استعرضنا حال فريق آخر يواجه المصاعب بالضحك والابتسام ، والسخرية والتعريض ، فإنا نجد ذلك طبيعة المتعلم المتأدب ، الناضج الفكر ، الواسع الحيلة ، الذي يدرك باللين ، والضحك والابتسام والسخرية والتعريض .. أكثر مما يناله غيره بالعنف والقسوة ، فيزيل مشكلاته ويقتل خصمه، وهو مطمئن النفس ، مستريح البال ، فيضحك ملء شدقيه ويمرح حشو إهابه ويتلهى بقتیله المنتخبط في دمه ، ويسلي ژوحه بمنظره ، وقد أمن أن يؤخذ بجريرته ، أو يحاسب على قتلته .
لم يكن يوما متبرمة بالحياة أو سأخطأ عليها ، بل كان - دوم - مرحة متفائلا ، يحب الحياة بكل ما فيها ، وإن تصالحت على جسمه الأضداد ، أو تظاهرت على نفسه حوادث الزمان .. لم يكن خشنة فظة ، وإنما كان لينا سهلا ، ولم يكن خائرة جبانة ، بل كان جريئة مقدامة ، ينقد ما لا يروقه ، ويتناول بلسانه الحاد من حاد ، ولو كان أستاذه .
اتخذ الطريق اللين في التقريع والتقويم ، طريق السخرية والإضحاك ، وأحب من اتخذوه لهم طريقأ ، وروى سخرياته وسخرياتهم في مواجهة المواقف التي أعترضتهم .
كما تفتن في الأجوبة المسكنة ، والتخلص الذكي ، واستبطان أسرار النفوس ، مستخدم السخر اللاذع ، والفكاهة المرحة ، والطرائف المسلية ، ليدفع عن نفوسنا عبء الحياة الثقيلة .
بيانات الكتاب
الأسم : السخرية في أدب الجاحظ
المؤلف : السيد عبد الحليم
عدد الصفحات : 272 صفحة
الحجم : 11 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق