يحمل هذا الكتاب عنوانا حبيبا إلى قلب كل مسلم ، أثيرا عنده ، عزیزا لديه ، فهو عن الأئمة الأربعة الذين بعلمهم نهتدي ، وبفقههم نقتدي ؛ وبخلقهم نستلهم الهدى ، وبفكرههم نستجلب السداد ، إنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ، وكل واحد من هؤلاء يشكل
دنيا من العلم ، وصرحا من الفقه ، ونبراسا من التقي ، وقبسا من النور.
ونحن حين نخض هؤلاء الأربعة بالدراسة فإننا لا نغض من شأن أئمة آخرين أصحاب فکر ودين ، وأنضاء علم وتقوى ، اهتدى الناس بعلمهم أزمنة طويلة ، واسترشدوا بهديهم أحقابا متواصلة ، نذكر منهم الأوزاعي والثوري والليث والطبرى وداوود الظاهري وأبا ثور ابراهيم بن خالد ، ولا ننسى إمامين جليلين من أبناء بيت النبوة هما جعفر الصادق بن محمد الباقر وزيد بن علي زين العابدین ، فجميع هؤلاء أثمة مجتهدون ذللوا للمسلمين سبل التعرف على أحكام دينهم ومسائله ، ومهدوا لهم الطريق وأناروا الدروب .
إن علاء المسلمين الذين بلغوا مبلغ الإمامة في علمهم وفقههم وورعهم وسلوكهم من الكثرة بحيث يصعب إحصاؤهم ومن الوفرة بحيث يمتنع استقصاؤهم ، وسوف تقع العين على كثيرين منهم عند الحديث عن كل إمام وشيوخه وصحابه وتلامذته ، فين هؤلاء جميعا من شيوخ وصحاب وتلاميذ، أعلام تنضح هالات الإمامة من عقولهم وقلوبهم ، وتتفجر ينابيع العلم من أفئدتهم وأفواههم.
وإنما وقع الاختيار على الأئمة الأربعة المعروفين لأنهم القدوة لجمهرة المسلمين ، وفي حياة كل منهم من الأحداث والسلوك والاجتهاد والتضحية
ما يجعل منه قدوة للعلماء والجمهرة ، والخاصة والعامة على وجه سواء ، ولقد تاقت النفس وتمنى القلب أن أنهض بهذا العمل منذ زمن بعيد ، فالحمد لله أن هيأ لى سبل النهوض به ، ويسر لي من الأسباب ما يجعله حقيقة بين يدي كل من أحب الأئمة وسعى إلى معرفة المزيد من علمهم وأخبارهم.
وتبدو صورة الكفاح والرحلة في طلب العلم أكثر ما تبدو في حياة هؤلاء الأئمة البررة باستثناء الإمام مالك الذي آثر ألا يغادر دار الهجرة إلا حاجة لبيت الله الحرام ، فأما أبو حنيفة فقد طوف بمدن العراق هم قضى في مكة بضع سنين يطلب العلم ويستجير بالبيت ، وأما الشافعي فقد طوف باليمن والعراق والشام ومصر، وكانت تطول إقامته حيث ينزل جامعا عليا أو باعثا فضلا أو ناشرا فقها ، وما من بلد حل فيه إلا وله فيه آثار وتلامذة ومريدون ، وخاصة في مكة وبغداد وأخيرا في مصر، فأما الإمام أحمد فقد طوف بقاع دنيا المسلمين طلبا للعلم وسماعا الحديث رسول الله عنه ، فزار مدن العراق جميعا ، واتجه إلى مكة فحج وسمع ودرس ، وارتحل إلى اليمن ماشيا ليسمع الحديث عن عبد الرزاق بن همام ، وسافر إلى الشام والثغور وسعي إلى كثير من بلاد فارس . وهكذا يعلمنا الأمة أن العلم
بيانات الكتاب
الأسم : الأئمة الأربعة
المؤلف :مصطفى الشكعة
عدد الصفحات : 1070صفحة
الحجم : 36 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق