Home Ads

المرايا المتجاورة .. دراسة فى نقد طه حسين لــ جابر عصفور




يحاول هذا البحث التعرف على طبيعة الفكر النقدي عند طه حسين (۱۸۸۹ - ۱۹۷۳) وذلك من خلال اكتشاف الصيغة التكوينية التي ينبنى بها هذا الفكر . وبقدر ما يسعى هذا البحث إلى اكتشاف الخصائص النوعية لهذا الفكر فإنه يحرص على أن يتعامل معه
بوصفه وحدة متكاملة ، لا ينفصل فيها نظر عن تطبيق ، ولا يتم التركيز فيها على جانب دون آخر، بل يتوجه البحث صوب كل اتجاه، ويتقصى كل مجال ، ويتدبر كل تغير ، ويتغلغل في كل تنوع ، للوصول إلى أساس تحتي ، پرد التنوع إلى وحدة ، والتغير إلى ثبات .
ولا سبيل - في تقديري - إلى فهم طه حسين الناقد إلا بهذا النهج . إن علينا - لکی نفهمه - أن نكتشف العالم المتعدد المتباين الذي ينطوي عليه نقده الأدبي . وين نكتشف هذا العالم مالم نضع أيدينا على عناصره التكوينية ، وما لم نتعرف على العلاقات المتي ترتبط بها حركة
هذه العناصر في مداراتها المتجاوبة والمتنافرة . ومن المهم - في اكتشاف هذا العالم - أن نتذكر الجزئيات ، وأن نحشد التفاصيل، وأن نتقصى الأفكار والمفاهيم. ولكن الأهم أن نصل إلى العلة الأولى التي تحكم بناء هذا العالم ، وتفسر كل صغيرة وكبيرة فيه ، فنرد كل فرع إلى أصله ، وكل معلول إلى علته .
ولكن كيف السبيل إلى اكتشاف بناء للفكر النقدي عند طه حسين ؟ وهل هناك - ابتداء - بنية لهذا الفكر ؟ إن طه حسين الناقد الأدبي متنوع الجوانب ، متعدد الأمنام ، منقلب الصفات ، والتبدل والتحول والمغايرة - في نقده - أمور تشي بالتباين الكيفي الجوانب هذا النقد .
إننا نعرف طه حسين الناقد العقلاني الذي يؤرقه اتزان المنهج ، وتشغله دقة المعارف التي مهدی خطی الناقد و فيلوذ بالديكارتية في طرائق التثبت ، مثلا پلوة بالمكتسبات المنهجية في إجراءات البحث التاريخي الحديث ، ويتقبل بعض أفكار نين عن الدرس الأدبي بعد أن يمزجها بأفكار أستاذه - في الجامعة المصرية - کارنو تالينو ، ويتقبل بعض أفكار مائت پیف بعد أن يعقلها بأفكار أستاذه - في باريس - جوستاف لاتسون ؛ ليسعی - بهذه العقلانية - إلى فهم الأعمال الأدبية بوصفها دوال على مدلولات تقع خارجها ، في المجتمع أو العصر ، وفي شخصية الأديب أو عالمه التاريخي . ولكننا نعرف - في المقابل - طه حسين الناقد الانطباعي الذي ينفر من العقل ، و يكاد ينفي المنهج ، إن لم ينفه بالفعل غير مرة ، ويلوذ بتقاد من أمثال أناتول فرانس وجول لومتر . ليمزج طرائقهم بنهج أستاذه - في الأزهر . سید بن على المرصفي ، ليؤكد أن الناقد أديب بیغی و التذوق ،، ويسعى وراء و المتعة ، لينعم - مع قارئه - بلحظة أو لحظات في ظل الحب النقي الكريم .
وتعرف - من منظور آخر - طه حسين الناقد و المحدث ، الذي يلوذ بمفاهيم النقد - الأوروبي، ويتوسل بأفكار نقاد الغرب ، فيرى الأدب و تعبير عن شخصية صاحبه ،
وخلاصة لعصره ، وتصويرا للمثل العليا للإنسانية . ولكننا نعرف - في المقابل - طه حسين الناقد و القديم ، ذلك الذي يلوذ بمفاهيم التراث ، و يتأثر خطى النقاد القدماء ، من أمثال ابن قتيبة والآمدي والجرجاني وغيرهم ، فيرى الأدب «صنعة ، يسبق التخطيط فيها التنفيذ ، و يستقل المعنى فيها عن لفظه ، مثلما يراه المحاكاة و تراعى دقة الوصف وأمانة النقل ، وطرافة التصوير وبراعة التشبيه وأعجب به إلى حد الفتنة - بالانسجام والتوازن والاعتدال . والصراع الكلاسي بين الإنسان والقدر . أو بين الهوى والواجب . والعقل والغريزة . وهو نفسه الذي أحب العاطفية المفرطة البول هرفيو وبول جيرالدى . واستهواه الجموح المتمرد في كتابات بودلير و اندريه جيد ، وهو الناقد نفسه الذي أعجب بالأدب الأسود . واستهوته عبثية كافكا وروایات سارتر . بكل ما فيها من تمرد على التوازن والاعتدال , ولا يقل إعجاب هذا الناقد - في المسرح - براسين ، وجوته . و بيراندللو . وجيرودو . وسارتر. وكامو - رغم بعد ما بينهم - عن إعجابه بمسرح موريس دوئيه . وشارل ميرى . وهنری بك، وبول هرفيو . ومارسيل بائیول . رغم التفاوت الحاد بينهم ،
ويبدو الأمر - في النهاية - كما لو كان هذا الناقد و المحدث ، بفتح عقله ووجدانه لكل الاتجاهات والمذاهب والمدارس ، فيتدافع الإعجاب في كتاباته تدافع أعمال وأسماء متباينة كل التباين . متنافرة كل التنافر . إلى درجة تفرض الأسئلة : أين يكمن الاتجاه الحقيقي لهذا الناقد ؟ وهل نحن إزاء تجانس موحد في الاستجابة أم إزاء تباين متنافر في الاستجابات ؟ وهل نحن إزاء ناقد و مختار و من أدب الغرب . أم إزاء ناقد ا ينبهر ، بكل ما يأتي عن الغرب بنفس الدرجة والقدر ؟
ويزيد من إلحاح هذه الأسئلة ذلك التغير اللافت الذي يقابلنا كلها مضينا مع كتابات طه حسين الناقد المحدث . لو نظرنا إلى الأمر من منظور الأدب العربي . إن الصوت العقلائي الصارم الشاك للناقد في كتاب في الأدب الجاهلي و يتبدل ليحل محله صوت عاطفی متعاطف مع هذا الشعر القديم المسكين .. في و حديث الأربعاء 1. ويتبدل نهج «تجدید ذكرى أبي العلاء ، بقواعده التاريخية لتحل علها قواعد مغايرة لنهج مغاير في الع المتنبي ،، وبتغير الناقد الباحث عن الشخصية والفن في مع المتنبي ، ليصبح ناقدا يخلق عالم خياليا ، يتحول فيه الناقد إلى أديب . فيتدفق حديث الحب الشجي في «مع أبي العلاء في سجنه . ونتحول من اصوت باريس ، إلى اصوت أبي العلاء، لتواجه مغايرة حادة ، لا تقل - لفتا للانتباه - عن تلك المفارقة التي مكنت الناقد من أن يجد أصول الفلسفة

العلائية
- بأكملها - في روايات كافكا . بعد أن اكتشف أن عمر بن أبي ربيعة صورة تناسخت لبيير لوني . ولماذا لا نقول إن وحديث الأربعاء، في ذاته ، وعلى ما هو عليه ، يمثل خليطا متباينا من التعامل مع الظواهر الأدبية ؟ أعنى خليطا يتجاور فيه - في الجزء الأول ، وحده ، على سبيل المثال - بعدان متنافران على مستوى المنهج ؛ فنواجه - في القسم الأول من هذا الجزء – تلك



بيانات الكتاب


الأسم : الله .. المرايا المتجاورة .. دراسة فى نقد طه حسين
المؤلف : جابر عصفور
عدد الصفحات : 520 صفحة
الحجم : 16 ميجابايت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

FlatBook

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit. Vestibulum rhoncus vehicula tortor, vel cursus elit. Donec nec nisl felis. Pellentesque ultrices sem sit amet eros interdum, id elementum nisi ermentum.Vestibulum rhoncus vehicula tortor, vel cursus elit. Donec nec nisl felis. Pellentesque ultrices sem sit amet eros interdum, id elementum nisi fermentum.




Comments

Contact Us

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *