كانت مصر قبل مجيء الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، شأنها شأن جميع البلدان والأقاليم والولايات والمجتمعات الخاضعة لنفوذ وسيادة، وظل السلطان العثماني القابع في برجه العاجي بمقر الخلافة العتيد بالاستانة.
كان نظام الحكم حينذا بيد السلطان فقط بغض النظر عن نظام البيعة السوري الذي كان قائما بوصفه أحد أبرز مظاهر الخلافة الإسلامية الراشدة التي تمسك بها آل عثمان حرصا على شرعيتهم من سخط وغضب وتذمر العلماء والأعيان.
وبما أن السلطان العثماني كان يملك أرض الخلافة، وما عليها إذن فلم يكن هناك بد من الخضوع لظله، ولا مرد لأمره ولا راد لقراره ولا اعتراض على
ظلمه، ومن ثم مضى غير عابئ في قهر وقطع وقمع وضرب وسلب ونهب وواد وخرس تلك الشعوب التي دانت له واستسلمت لسلطانه وجبروته ، وبالطبع كانت مصر في طليعة تلك البلدان المقهورة والمنكوبة، ولم تكن بمنای من الدوران في فلك آل عثمان الدموى الرهيب .
لقد عاني أهل مصر من ويلات تلك السياسات الغاشمة التي اتخذت من الكرباج أداة ترويع وإذلال، ومن الجباية وسيلة تجويع واستغلال حنى ثارت النفوس الهادئة ، وضاقت صدور المصريين الرحبة، ونفد صبرهم وفاض کیلهم، فانطلقت حناجرهم الوديعة تدعو بدعائهم التاريخي المأثور تضرعا إلى الخالق الرحیم خلاصا من المخلوق الذي لا يرحم، وهي تهتف بأعلى صوتها: یا رب
ومضت الأمور على هذا النحو حتى جاء صاحب الوجه الكئيب، وكافة ادوات التعذيب الوحشي الذي مارسه بونابرت ضد أهالينا لبسط نفوذه، وتوطيد أواصر نظامه، والاستيلاء على مصر والشام لتحقيق أهدافه وأطماعه التوسعية ، بيد أن المقاومة الشعبية قد أرهقته وأذلته، فأمر بعودة حملته وهي تجر أذيال الخيبة والفشل المرير لتنتهي حقبة سوداء أخرى تدفقت خلالها الدماء في سباق مع الدموع على الشهداء والجرحى والمعاقين وذوي العاهات الذين انتصروا لكرامتهم وحريتهم وسيادتهم واستقلالهم من وحش دموی تبرا منه التاريخ وركله رغم أمجاده لوطنه، ومن ثم فلا غرابة إذن فيما قاله الأديب الأمريكي وأستاذ التاريخ
وبعد خروج الحملة الفرنسية تعرضت مصر لحالة من الفوضى والفراغ السياسي، حيث كان المماليك قد لاذوا بالفرار والهرب خوفا على أنفسهم من نابليون وجنوده، كما فقد العثمانيون قدرا كبيرا من نفوذهم داخلها طيلة بقاء جنود الحملة الفرنسية، الأمر الذي أدى إلى لجوء الشعب إلى الاحتكام والاحتماء والارتكان والارتكار على العلماء والأعيان؛ خاصة وأن على رأس هؤلاء العلماء السيد عمر مكرم نقیب الاشراف، الذي كان يتمتع بمكانة وقيمة وقامة بين الأهالي لحسه الوطني ونضاله ضد بونابرت، وعطفه على الفقراء، وإغداقه العطايا على المساكين، ولبصيرته وحكمته ونبل أخلاقه، وقد طالب البعض من أنصاره وعشاقه أن يتولى حكم مصر غير أنه قد رای ببصيرته
بيانات الكتاب
الأسم : الملك فاروق .. آخر ملوك مصر
المؤلف : هشام خضر
عدد الصفحات : 263 صفحة
الحجم : 8 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق