عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران ، ونجحت في القضاء على نظام من أعتى الأنظمة الاستبدادية التي عرفتها البشرية ، وأقامت حكمة اسلاميا كاملا في بلد يملك جميع مقومات النهوض والتقدم : من طاقة بشرية ضخمة واعية ، وموارد طبيعية وفيرة على رأسها التدفق الغزير للبترول ، وحضارة مجيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ - حينئذ كان تقومي للثورة الوليدة هو أنها اختبار حاسم
لجميع الحركات الإسلامية المعاصرة : فإذا نجحت في إقامة مجتمع العدل والحرية والقدم ، كان معنى ذلك أن هذه الحركات ستكتسب قوة دفع هائلة يصعب إيقافها في أي بلد من بلدان العالم الإسلامي الذي يشكو من التخلف ويرزح تحت أعباء أنظمة قمعية ويتعطش إلى البديل . أما إذا أخفقت ، فإن إخفاقها سيعنى إسكات طويل الأمد لتلك الأصوات المنادية بالحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة . فالاختبار الحاسم كان هناك ، في تلك الثورة التي أمسكت بزمام بلد إسلامي عظيم الأهمية ، له ماض عريق ومستقبل حافل بالإمكانات المشجعة .
ولم تمض إلا سنوات قلائل حتى طبقت تجربة أخرى ، في ظروف مختلفة كل الاختلاف ، على أقرب بلد عرف إلى مصر ، وهو السودان الشقيق ، وكان التطبيق هذه المرة بقرار من حاكم فرد ظل يقلب بين الأنظمة والاتجاهات المختلفة : إذ كان في بداية حكمه محسوبة على اليسار مسغطيبة للقوى التقدمية ، وأصبح في نهايته مستدأ إلى أحد القوى رجعية وجهالة ، وملل دعاة تطبيق الشريعة لتجربة الميرى ، على الرغم من مظاهر الظلم الصارخة التي ظهرت للعيان في كل تصرف من تصرفات هذا الطاغية ، وطالبوا معارضيهم بأن يمنحوا الرجل فرصة ، وتجاهلوا المجاعة وأحكام الإعدام والاستنزاف الداهم لفروة البلاد وسرقات الحكام المفضوحة الأموال شعب بأسره ، ووضعوا هذا كله في كلفة ، والتطبيق الشكلي لحدود السرقة والخمر والزنا في كفة أخرى ، فرجحت الكفة الثانية لدعم على المظالم الفادحة التي كانت تقل الكفة
بيانات الكتاب
الأسم : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة
المؤلف : فؤاد زكريا
عدد الصفحات : 185 صفحة
الحجم : 9 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق