تتعقد خيوط كثير من متغيرات عالم اليوم، وما تتيحه من فرص، وما ينتج عنها من صعوبات، جملة واحدة تحت مسمى العولمة. إلا أن النظرة الواعية الخبيرة لا تقصركل هذه الأمور على أسواق الاقتصاد والمال،
بل تلاحظ أن رفى العولمة الثلاث من عمليات متصاعدة في نزع الحدود، وما يرتبط بها من استراتيجيات، وما يظقر عن كل ذلك من حالة غير طبيعية في العلاقات - عولية متنامية ، إنما تدور رحاها في أبعاد ثلاثة في مجتمع عنف معولم ، وفي مجتمع تعاون معولم ، وأخيرا في مجتمع معولم سمنه المخاطرة والأزمة والمعاناة. ذلك لأنه منذ فترة غير قصيرة تعصف الجريمة المنظمة ، كما ينسف الإرهاب بقيمة وجود حدود دولية، بل وقارية، فضلا عن تفاقم مشكلات البيئة والطقس وحركات اللجوء والنزوح
في كل هذه الأبعاد الثلاثة تكمن الحاجة إلى فعل عالمى ، تتطلب بدورها البحث عن فاعلين أكفاء على مستوى العالم، وقد سبق في الدراسة التي صدرناها بعنوان الديمقراطية في عصر العولمة (2002)، أن تناولنا بالبحث - بصفة خاصة - موضوع المؤسسات والتنظيمات المسئولة عن ذلك الأمر وأطرها التي تحكمها - نظام تشریعی عالمي، وأشرت فيها على نحو تقديرات أولية فقط إلى أنه في حالة نجاح التعايش الجماعي المثمر داخل الكيانات المجتمعية أولا ، ثم بين بعضها البعض، فإن الأمر رغم ذلك يحتاج إضافة لما سبق إلى فاعلين على مستوى المسئولية، وتحديدا إلى مواطنين وإلى المجتمع العام الذي يقوم فيه هؤلاء المواطنون أنفسهم بإدارة أركانه، أي إلى مجتمع المواطنة أو المجتمع المدني
وحين لا توجد ديمقراطية بعد في بلد من البلدان ، فإنه لا يمكن أن يسطع نورها وتنهض قواعدها دون وجود استعداد مناسب لها لدى المواطنين: فإن بدأت عملية التحول إلى نظام ديمقراطي من القاعدة، كما حدث ذلك في حالة انهيار جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية)، فإنه يتحتم أمر تأمین مظلتها على وجه السرعة بتقديم العون للكثيرين، وإن لم يؤمن بها ويعمل على تحقيقها سوى نفر قليل من المواطنين، أما حينما يأتي تفعيل الديمقراطية من أعلى ، أو ربما تأتي الدعوة إليها من الخارج، كما في حالة أفغانستان أو في العراق، فإنها حينئذ تحتاج إلى استعداد مواز لها من جانب القاعدة الشعبية العريضة وفي كلتا الحالتين المشار إليهما لا يتحقق نجاح الأخذ بنظام ديمقراطي والتحول إليه، دون قيام مجتمع مواطنة متعدد الوجوه خارج نطاق مؤسسات الدولة . ويقا على ذلك فإن الأفكار التالي ذكرها لا تعني أنها تقع في منطقة تعارض بسيط يقصد به مواطنين عوضا عن مؤسسات ونظم ، بل إنها تلتمس استكمال النظرية، وفي الوقت نفسه تبحث عن وساطة عبر مفهوم مجتمع المواطنة . حيث إن مجتمع المواطنة يقيم قواعد مؤسسات خاصة به لا تدخل في موازنة الدولة .
بيانات الكتاب
الأسم : الأخلاق السياسية فى عصر العولمة
المؤلف : أوتفريد هوفه
المترجم : عبد الحميد مرزوق
عدد الصفحات :181 صفحة
الحجم : 5 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق