ظلت الديانة اليهودية، ولفترات طويلة من الزمن، تمثل المعبد الذي يحتمی به اليهود وينغلقون داخله إلى أن ظهرت حركة التنوير اليهودية في القرن الثامن عشر ونادت بضرورة الاندماج في المجتمعات التي ينتشر فيها اليهود وأن يكون لهم دور فعال في تلك
المجتمعات، على أن يتحمر الدين والتدين كسلوك وشعائر داخل المنزل والعيد
لم ظهرت الصهيونية كحركة علمانية تطرح الحل الواقعي من وجهة نظرها لجمع شتات اليهود الهائمين في بلاد الله، اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعد أن كانوا شعبا بلا وطن، أصبحوا شعبا هم وطن، في حين حدث العكس بالنسبة للفلسطينيين
وفي هذا السياق لم ينتبه دعاة الصهيونية إلى الكم الهائل من المشكلات التي قد تواجههم في تحقيق حلمهم الكبير، مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي، الصراع بين الدينيين والعلمانيين، والصراع الطائفي والثقافي بين الإشكناز والسفارديم والمهاجرين الروس والإثيوبيين، وإشكالية الصراع بين العقائد المبنية على الأساطير و السياسة الواقعية المبنية على المصالح، وكذلك الصراع بين مركزية الشئات ومركزية إسرائيل وغيرها.
وإجمالا فقد أدى كل ذلك إلى تمزق أو تشتت النموذج الإسرالیلی بین ثقافات وطوائف وقوميات لها خصوصياتها الثقافية والعقائدية، والفرقة في التعامل على المستوى الداخلي بين اليهود المهاجرين لإسرائيل والرؤية المختلفة بين اليهود الغربيين والشرقيين إلخ، وانعكاس ذلك في فرص الحياة والعمل والمركز والمكانة والدور.. إلخ، ناهيك عن المواقف المتصارعة حول ماهية هوية الدولة من حيث کونها کنعانية أم يهودية دينية أم يهودية علمانية أم إسرائيلية
ولذلك فإن الهدف الرئيسي للصهيونية كحركة علمانية سياسية استعمارية هو إقامة المجتمع أو الدولة اليهودية الحديثة بعيدا عن كل عثرات وقيود وعقد الماضي من مجتمع الطائفة اليهودية في الشتات اليهودي، والمذابح التي تعرضوا لها في روسيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم تعرضهم لكافة أنواع التعذيب الوحشي في المانيا النازية من خلال إلقائهم في المحارق أحياء في النصف الأول من القرن العشرين.
وفي مقابل هذا التعامل اللاآدمی والوحشي والاضطهادی لليهود في دول الغرب وروسيا، نجد أنهم نعموا بالعيش في أمان وسلام وطمالية في البلاد الإسلامية، بل منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بالرغم من أنهم كانوا ينقضون العهود وطالما أمنهم أشرف خلق الله ورسول الحق رغم خيانتهم ومكائدهم له، وما يؤكد اندماج هؤلاء ودخولهم في علاقات اقتصادية وتجارية وثقافية في البلدان الإسلامية، العدد الكبير من اليهود الذين كانوا يعملون بالفن في د ر والشام خاصة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بالإضافة إلى فلك العديد من اليهود الكثير من المحال التجارية والمشروعات الاقتصادية الضاحية في الدول العربية والإسلامية التي عاشوا فيها، ومشروعاتهم الضخمة الآن تحت ستار الشركات متعددة الجنسيات
ولكي تفعل الصهيونية وتدعم حركتها، أخذت بعنصر الدين اليهودي کستار حتى يمكنهم اجتلاب المهاجرين اليهود المتدينين غير العلمانيين من مختلف بقاع العالم، ولذلك أصبح الدين محجم ولا يخرج عن دائرة المعبد داخل إطار الأسرة أو العائلة اليهودية، ولم يعد هو العامل الفاعل في تنظيم وتفعيل الدولة اليهودية كما هو الحال بالنسبة للصهيونية كحركة علمانية
وتأتي أهمية الكتاب الذي بين أيدينا في كونه تناولا غير مسبوق حول سيكولوجية الصهيونية، وهنا نجد المؤلف بمهارة عالم النفس والمعالج النفسي التحليلي يبرز بهدوء وبثقة وبروی معالم ومحددات وسمات الشخصية اليهودية من خلال تتبع كالة المظاهر والأغاط السلوكية والتعبيرات الحركية والانفعالية والوجدانية في إطار تتبعه المستمر عبر كافة وسائل الإعلام المرئي والمسموع لكافة التصريحات والتعليقات والأحاديث والندوات واللقاءات وقيامه، وفق أسس التحليل والعلاج النفسي، بتبع محددات الشخصية من خلال ذلك
بيانات الكتاب
الأسم : سيكولوجية الصهيونية
المؤلف : محمد عبد الفتاح
عدد الصفحات :145 صفحة
الحجم : 5 ميجابايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق